سورة النازعات - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


قوله تعالى: {والنازعات} فيه سبعة أقوال:
أحدها: أنها الملائكة تَنْزِعُ أرْواح الكفَّار، قاله علي، وابن مسعود. وروى عطية عن ابن عباس قال: هي الملائكة تَنْزِع نفوسَ بني آدم، وبه قال مسروق.
والثاني: أنه الموت يَنْزِع النفوسَ، قاله مجاهد.
والثالث: أنها النفس حين تُنْزَعُ، قاله السدي.
والرابع: أنها النجوم تَنْزِع من أُفُق الى أُفُق تطلع ثم تغيب، قاله الحسن، وقتادة، وأبو عبيدة، والأخفش، وابن كيسان.
والخامس: أنها القِسِيّ تَنْزِع بالسَّهم، قاله عطاء، وعكرمة.
والسادس: أنها الوحوش تنزع وتنفر، حكاه الماوردي.
والسابع: أنها الرُّماةُ، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {غرقاً} اسم أقيم مقام الإغراق. قال ابن قتيبة: والمعنى: والنازعات إغراقاً، كما يغرق النازع في الفوس، يعني أنه يبلغ به غاية المد.
قوله تعالى: {والناشطات نشطاً} فيه خمسة أقوال.
أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام قولان. أحدهما: أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغمِّ، قاله علي رضي الله عنه. قال مقاتل: ينزع ملك الموت روح الكافر، فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه، فيعذِّبه في حياته، ثم ينشطها من حلقه أي: يجذبها كما ينشط السفّود من الصوف المبتل. والثاني: أنها تنشط أرواح المؤمنين بسرعة، كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها، قاله ابن عباس. وقال الفراء: الذي سمعته من العرب: كما أُنْشِط من عِقَال بألف. تقول: إذا ربطت الحبل في يد البعير: نشطته، فإذا حللته قلت: أنشطته.
والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك.
والثالث: أن الناشطات: الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد.
والرابع: النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي: تذهب، قاله قتادة، وأبو عبيدة، والأخفش. ويقال لبقر الوحش: نواشط، لأنها تذهب من موضع إلى موضع. قال أبو عبيدة: والهموم تنشط بصاحبها. قال هميان بن قحافة:
أَمْسَتْ همومي تَنْشِط المنَاشِطَا *** الشَّامَ بي طَوْراً وطَوْراً وَاسِطَا
والخامس: أنها النفس حين تَنْشط بالموت، قاله السدي.
قوله تعالى: {والسابحات سبحاً} فيه ستة أقوال.
أحدها: أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين، قاله علي رضي الله عنه. قال ابن السائب: يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء. فأحياناً ينغمس، وأحياناً يرتفع، يسلُّونها سلاً رفيقاً، ثم يَدَعُونها حتى تستريح.
والثاني: أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، كما يقال للفرس الجواد: سابح: إذا أسرع في جريه، قاله مجاهد، وأبو صالح، والفراء.
والثالث: أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم، روي عن مجاهد أيضاً.
والرابع: أنها السفن تسبح في الماء، قاله عطاء.
والخامس: أنها النجوم، والشمس، والقمر، كل في فلك يسبحون، قاله قتادة، وأبو عبيدة.
والسادس: أنها الخيل، حكاه الماوردي.
قوله تعالى {فالسابقات سبقاً} فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال. أحدها: أنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله علي، ومسروق. والثاني: أنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، قاله مجاهد، وأبو رَوْق. والثالث: أنها سبقت بني آدم الى إلإيمان، قاله الحسن.
والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقاً إلى لقاء الله، فيقبضونها وقد عاينت السرور، قاله ابن مسعود.
والثالث: أنه الموت يسبق إلى النفوس، روي عن مجاهد أيضاً.
والرابع: أنها الخيل، قاله عطاء.
والخامس: أنها النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير، قاله قتادة.
قوله تعالى: {فالمدبِّرات أمراً} قال ابن عباس: هي الملائكة. قال عطاء: وُكِّلتْ بأمور عَرَّفهم الله العمل بها، وقال عبد الرحمن بن سابط: يُدَبِّر أمر الدنيا أربعة أملاك: جبريل، وهو موكل بالرِّياح والجنود. وميكائيل، وهو موكل بالقطر والنبات. وملك الموت، وهو موكل بقبض الأنفس. وإسرافيل، وهو يَنزل بالأمر عليهم. وقيل: بل جبريل للوحي، وإسرافيل للصور. وقال ابن قتيبة: فالمدبِّرات أمراً: تنزل بالحلال والحرام.
فإن قيل: أين جواب هذه الأقسام، فعنه جوابان.
أحدهما: أن الجواب قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}، قاله مقاتل.
والثاني: أن الجواب مضمر، تقديره: لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحاسَبُنَّ، ويدل على هذا قوله تعالى: {أئذا كنا عِظَاماً نَخِرَةً} قاله الفراء.
قوله تعالى: {يوم تُرجف الراجفة}، وهي النفخة الأولى التي يموت منها جميع الخلائق. و{الراجفة} صيحة عظيمة فيها تردُّدٌ واضطراب كالرعد إذا تمحض. و{ترجف} بمعنى: تتحرَّك حركة شديدةً {تتبعها الرادفة} وهي: النفخة الثانية ردفت الأولى، أي: جاءت بعدها. وكل شيء جاء بعد شيءٍ فهو يردفه {قلوب يومئذ واجفة} أي: شديدة الاضطراب لما عاينت من أهوال القيامة، {أبصارها خاشعة} أي: ذليلةٌ لمعاينة النار. قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام. ويدل على هذا أنه ذَكَرَ منكري البعث، فقال تعالى: {يقولون أئنا لمردودون في الحافرة} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {أئنا} بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية، وفصل بينهما بألف نافع وأبو عمرو.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الحافرة: الحياة بعد الموت. فالمعنى: أنرجع أحياءً بعد موتنا؟! وهذا قول ابن عباس، وعطية، والسدي. قال الفراء: يعنون: أَنُرَدُّ إلى أمرنا الأول إلى الحياة؟! والعرب تقول: أتيت فلاناً، ثم رجعت على حافرتي، أي: رجعت من حيث جئت. قال أبو عبيدة: يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته: إذا رجع من حيث جاء، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فَسُمِّيت حافرةً، والمعنى: محفورة، كما يقال {ماء دافق} [الطارق: 6] و{عيشة راضية} [الحاقة: 21] وهذا قول مجاهد، والخليل. فيكون المعنى: أئنا لمردودون إلى الأرض خلقاً جديداً؟!
قال ابن قتيبة: {في الحافرة} أي: إلى أول أمرنا.


قوله تعالى: {هل أتاك حديث موسى} أي: قد جاءك. وقد بيَّنَّا هذا في [طه: 9] وما بعده إلى قوله تعالى: {طوى اذهب} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {طوى اذهب} غير مُجراةٍ. وقرأ الباقون {طوىً} منونة {فقل هل لك إلى أن تَزَكَّى} وقرأ ابن كثير، ونافع {تَزَّكَّى} بتشديد الزاي، أي: تَطَّهَّر من الشرك {وأَهْدِيَكَ إلى ربك} أي: أدعوك إلى توحيده، وعبادته {فتخشى} عذابه {فأراه الآية الكبرى} وفيها قولان:
أحدهما: أنها اليد والعصا، قاله جمهور المفسرين. والثاني: أنها اليد، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {فكذب} أي: بأنها من الله، {وعصى} نبيَّه {ثم أدبر} أي: أعرض عن الإيمان {يسعى} أي: يعمل بالفساد في الأرض {فحشَر} أي: فجمع قومه وجنوده {فنادى} لما اجتمعوا {فقال أنا ربكم الأعلى} أي: لا ربَّ فوقي. وقيل أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربُّها وربُّكم. وقيل: أراد: أنا ربُّ السادة والقادة.
قوله تعالى: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أن الأولى قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] والآخرة قوله: {أنا ربكم الأعلى}، قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومقاتل، والفراء. ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة. قال السدي: فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة. قال الفراء: فالمعنى: أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.
والثاني: المعنى: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، وعذَّبه في الآخرة، قاله الحسن، وقتادة. وقال الربيع بن أنس: عذَّبه الله في أول النهار بالغَرَق، وفي آخره بالنَّار.
والثالث: أن الأولى: تكذيبه وعصيانه. والآخرة قوله: {أنا ربكم الأعلى}، قاله أبو رزين.
والرابع: أنها أول أعماله وآخرها، رواه منصور عن مجاهد. قال الزجاج: النكال: منصوب مصدر مؤكد، لأن معنى أخذه الله: نكل الله به نكال الآخرة والأولى: فأغرقه في الدنيا ويعذِّبه في الآخرة. قوله تعالى {إن في ذلك} الذي فُعِل بفرعون {لعبرةً} أي: لعظةً {لمن يخشى} الله.
ثم خاطب منكري البعث، فقال تعالى {أأنتم أشد خلقاً أم السماءُ بناها} قال الزجاج: ذهب بعض النحويين الى أن قوله تعالى {بناها} من صفة السماء، فيكون المعنى: أم السماء التي بناها. وقال قوم: السماء ليس مما توصل، ولكن المعنى: أأنتم أشد خلقاً، أم السماءُ أشد خلقاً. ثم بيَّن كيف خلقها، فقال تعالى {بناها} قال المفسرون: أخَلْقُكم بعدَ الموت أشدُّ عندكم، أم السماءُ في تقديركم؟ وهما في قدرة الله واحد. ومعنى: {بناها} رفعها. وكل شيء ارتفع فوق شيءٍ فهو بناءٌ. ومعنى {رفع سَمْكها} رفع ارتفاعها وعلوَّها في الهواء {فسوَّاها} بلا شقوق، ولا فُطور، ولا تفاوت، يرتفع فيه بعضها على بعض {وأغطش ليلها} أي: أظلمه فجعله مظلماً.
قال الزجاج: يقال: غطش الليل وأغطش، وغبش وأغبش، وغسق وأغسق، وغشي وأغشى، كله بمعنى أظلم.
قوله تعالى: {وأخرج ضحاها} أي: أبرز نهارها. والمعنى: أظهر نورها بالشمس. وإنما أضاف النور والظلمة إلى السماء لأنهما عنها يصدران {والأرض بعد ذلك} أي: بعد خلق السماء {دحاها} أي: بسطها. وبعض من يقول: إن الأرض خلقت قبل السماء يزعم أن {بعد} هاهنا بمعنى قبل، كقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذِّكر} [الأنبياء: 105] وبعضهم يقول: هي بمعنى مع كقوله تعالى {عُتُلٍّ بعد ذلك زنيم} [القلم: 13] ولا يمتنع أن تكون الأرض خلقت قبل السماء، ثم دحيت بعد كمال السماء، وهذا مذهب عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد أشرنا إلى هذا الخلاف في [البقرة: 29] ونصبت الأرض بمضمر تفسيره قوله تعالى: {دحاها}.
{أخرج منها ماءها} أي: فجَّر العيون منها {ومرعاها} وهو ما يأكله الناس والأنعام {والجبال أرساها} قال الزجاج: أي: أثبتها {متاعاً لكم} أي: للإمتاع، لأن معنى أخرج منها ماءها ومرعاها: أمتع بذلك. وقال ابن قتيبة: {متاعاً لكم} أي: منفعة لكم.


قوله تعالى: {فإذا جاءت الطامة الكبرى} والطامة: الحادثة التي تطمُ على ما سواها، أي: تعلو فوقه. وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: النفخة الثانية التي فيها البعث.
والثاني: أنها حين يقال لأهل النار: قوموا إلى النار.
والثالث: أنها حين يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.
قوله تعالى: {يتذكَّر الإنسان ما سعى} أي: ما عمل من خير وشر {وبُرِّزَتِ الجحيم لمن يرى} أي: لأبصار الناظرين. قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق. وقرأ أبو مجلز، وابن السميفع {لمن ترى} بالتاء. وقرأ ابن عباس، ومعاذ القارئ {لمن رأى} بهمزة بين الراء والألف.
قوله تعالى: {فأما من طغى} في كفره {وآثر الحياة الدنيا} على الآخرة {فإن الجحيم هي المأوى} قال الزجاج: أي: هي المأوى له. وهذا جواب {فإذا جاءت الطامة} فإن الأمر كذلك.
قوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه} قد ذكرناه في سورة [الرحمن: 46].
قوله تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} أي: عما تهوى من المحارم. قال مقاتل: هو الرجل يَهُمّ بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب، فيتركها.
قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة أيّان مرساها} قد سبق في [الأعراف: 187] {فيم أنت مِن ذِكراها} أي: لست في شيءٍ من علمها وذِكْرِها. والمعنى: إنك لا تعلمها {إلى ربك منتهاها} أي: منتهى علمها {إنما أنت منذر من يخشاها} وقرأ أبو جعفر {منذرٌ} بالتنوين. ومعنى الكلام: إنما أنت مُخَوِّفٌ من يخافها. والمعنى: إنما ينفع إنذارك من يخافها، وهو المؤمن بها. وأما من لا يخافها فكأنه لم يُنْذَر {كأنهم} يعني: كفار قريش {يوم يرَونها} أي: يعاينون القيامه {لم يلبثوا} في الدنيا. وقيل: في قبورهم {إلا عشية أو ضحاها} أي: قَدْر آخر النهار من بعد العصر، أو أوله إلى أن ترتفع الشمس. قال الزجاج: والهاء والألف في {ضحاها} عائدان إلى العشية. والمعنى: إلا عشية، أو ضحى العشية. قال الفراء.
فإن قيل: للعشية ضحى، إنما الضحى لصدر النهار؟.
فالجواب: أن هذا ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: آتيك العشية، أو غداتَها، أو آتيك الغداةَ، أو عَشِيَّتَها، فتكون العشية في معنى {آخر}، والغداة في معنى {أول}. أنشدني بعض بني عقيل:
نَحْنُ صَبَحْنَا عَامِراً في دَارِها *** عَشِيَّةَ الهِلاَلِ أو سِرارِها
أراد: عشية الهلال، أو عشية سرار العشية، فهذا أشد من قولهم: آتيك الغداة أو عشيتها.